مقالة
دستور البلد الأمين
-->
الاثنين, 10 نوفمبر 2008
عبد المحسن تقي مظفر
غدا الثلاثاء يصادف مرور ستة وأربعين عاما على ميلاد الدستور الكويتي، الذي صدر في الحادي عشر من نوفمبر 1962. هذا الدستور الذي ارتضاه الجميع فعلا عندما صدر في ظروف سياسية مواتية، كان يهدف في الأساس إلى تحقيق التوازن والتنسيق بين مشروعين خطيرين، هما مشروع الحكم واستقرار نظامه، ومشروع الدولة الحديثة القائمة على القانـــون والمؤسسات الدستورية.
وهذان المشروعان يشار إليهما بصورة واضحة وجلية في مادتين من الباب الأول من الدستور الذي يحدد معالم الدولة ونظام الحكم، ويتضمن ست مواد.
فالمادة الرابعة تنص على أن الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، ثم تفصّل في ذلك إلى أن تنتهي إلى أنه ينظم سائر الأحكام الخاصة بتوارث الإمارة قانون خاص يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بهذا الدستور، وتكون له صفة دستورية، فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور. هذه المادة إذن والقانون الخاص بتوارث الإمارة، والذي له صفة دستورية مقيدة، يضعان حدود وتفاصيل مشروع الحكم.
أما المادة السادسة من الدستور، فهي تنص على أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور. وهذه المادة إذن هي التي تحدد مشروع الدولة الحديثة. وفي تصوري أن كل ما جاء في الدستور بعد هذه المادة- باستثناء الباب الخامس منه- هو تفصيل لأسس دولة القانون والمؤسسات، التي توخاها الكويتيون منذ بداية عهد الاستقلال، والتي كانت حلما سعوا- بإصرار- إلى تحقيقه.
فالمواد اللاحقة للمادة السادسة تتناول في الباب الثاني من الدستور، وهو يتضمن عشرين مادة، المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي من عدل وحرية ومساواة وتعاون وتراحم، وهي تتحدث عن الأمن الوطني وتكافؤ الفرص والأسرة وحفاظ القانون على كيانها، والنشء ورعاية الدولة له، وخدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية، والتعليم والعلوم والآداب والفنون والرعاية الصحية، كما تتحدث عن حرمة الأموال العامة وواجب المواطن في حمايتها، والاقتصاد الوطني الذي أساسه العدالة الاجتماعية وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين.
والباب الثالث من الدستور تبين المواد الواردة فيه، وهي 23 مادة، الحقوق والواجبات العامة. وقد لفت نظري ما ورد في المادة 27 من أنه لايجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون، والمادة 28 التي تنص على أنه لا يجوز إبعاد كويتي عن الكويت أو منعه من العودة إليها. وهاتان المادتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا، وفحواهما مثار جدل وحوار في قرارات اتخذت مؤخرا، وكانت عليها ردود فعل لا تزال محتدمة. والمؤمل أن تسود الحكمة في نهاية هذا الجدل ولا يخدش الدستور.
الباب الرابع هو أطول باب في الدستور، إذ يحتوي على 125 مادة، وينقسم إلى خمسة فصول في بعضها أكثر من فرع. ويتناول هذا الباب السلطات بدءا بأحكام عامة تبين أن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور، ثم يستعرض في الفصل الثاني منه ما يتعلق برئيس الدولة وهو الأمير الذي تعتبر ذاته مصونة لا تمس، وهو يتولى سلطاته بواسطة وزرائه الذين يعينهم ويعفيهم من مناصبهم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء الذي يعينه الأمير كذلك، بعد المشاورات التقليدية، ويعفيه من منصبه. والفصل الثالث يبين دور السلطة التشريعية وتشكيل مجلس الأمة ومهامه وصلاحياته وعلاقته بالسلطة التنفيذية. والفصل الرابع يتحدث عن الوزارة والشؤون المالية والشؤون العسكرية. والفصل الخامس يتناول السلطة القضائية، حيث يبين أن شرف القضاء، ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الملك وضمان للحقوق والحريات. كما تشير المادة 173 في هذا الفصل من الباب الرابع من الدستور، إلى أن القانون يعين الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح. (والمقصود هنا المحكمة الدستورية التي إذا قررت عدم دستورية قانون أو لائحة يعتبر كأن لم يكن).
وفي هذه المادة فقرة مهمة جدا تقول: «ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة (أي المحكمة الدستورية) في دستورية القوانين واللوائح». ويبدو أن ذوي الشأن هنا كان المقصود به أن يعني كذلك أي مواطن حريص، إلا أن هذا الحق المطلق للمواطنين قد تم الالتفاف عليه، وأصبحت هذه واحدة من القضايا التي يدور حولها الجدل، ويستند إليها عدد من الذين ينتقدون المحاولات الرامية إلى تفريغ الدستور من محتواه.
الباب الخامس والأخير من الدستور، يقع في عشر مواد منتهية بالمادة 183 وهي آخر مادة في الدستور. ويتضمن هذا الباب أحكاما عامة وأحكاما انتقالية. ولعل أهم ما في هذا الباب المادة 174 والمادة 175، حيث تبين الأولى من له حق اقتراح تنقيح الدستور والإجراءات الدستورية المرتبطة بذلك، في حين تؤكد المادة 175 أن الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت، وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة.
كانت تلك- إلى حد ما- قراءة سريعة للدستور الذي ارتضيناه جميعا والذي صدر في الحادي عشر من شهر نوفمبر 1962، دعاني إليها احتفالنا بذكرى مرور ستة وأربعين عاما عليه. وكلما قرأت هذا الدستور العظيم، أكتشف في نصوصه إيجابيات كثيرة تدعوني إلى قراءته من جديد، ويتولد في ذهني فهم أفضل له. دستور الكويت هو من أرقى وأهم إنجازاتنا، ومن المؤسف حقا أن تكون هناك محاولات من قبل البعض لانتهاك روح الدستور وتعطيل فاعلية بعض مواده. ولكني لا أريد أن أدخل في هذا الشأن الشائك الآن، لكي لا أنغص على نفسي وعلى القارئ الكريم ابتهاجنا بهذه المناسبة الوطنية العظيمة.
ولنعمل جميعا للحفاظ على دستور هذا البلد الأمين.
كاتب كويتي
-->
الاثنين, 10 نوفمبر 2008
عبد المحسن تقي مظفر
غدا الثلاثاء يصادف مرور ستة وأربعين عاما على ميلاد الدستور الكويتي، الذي صدر في الحادي عشر من نوفمبر 1962. هذا الدستور الذي ارتضاه الجميع فعلا عندما صدر في ظروف سياسية مواتية، كان يهدف في الأساس إلى تحقيق التوازن والتنسيق بين مشروعين خطيرين، هما مشروع الحكم واستقرار نظامه، ومشروع الدولة الحديثة القائمة على القانـــون والمؤسسات الدستورية.
وهذان المشروعان يشار إليهما بصورة واضحة وجلية في مادتين من الباب الأول من الدستور الذي يحدد معالم الدولة ونظام الحكم، ويتضمن ست مواد.
فالمادة الرابعة تنص على أن الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، ثم تفصّل في ذلك إلى أن تنتهي إلى أنه ينظم سائر الأحكام الخاصة بتوارث الإمارة قانون خاص يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بهذا الدستور، وتكون له صفة دستورية، فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور. هذه المادة إذن والقانون الخاص بتوارث الإمارة، والذي له صفة دستورية مقيدة، يضعان حدود وتفاصيل مشروع الحكم.
أما المادة السادسة من الدستور، فهي تنص على أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور. وهذه المادة إذن هي التي تحدد مشروع الدولة الحديثة. وفي تصوري أن كل ما جاء في الدستور بعد هذه المادة- باستثناء الباب الخامس منه- هو تفصيل لأسس دولة القانون والمؤسسات، التي توخاها الكويتيون منذ بداية عهد الاستقلال، والتي كانت حلما سعوا- بإصرار- إلى تحقيقه.
فالمواد اللاحقة للمادة السادسة تتناول في الباب الثاني من الدستور، وهو يتضمن عشرين مادة، المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي من عدل وحرية ومساواة وتعاون وتراحم، وهي تتحدث عن الأمن الوطني وتكافؤ الفرص والأسرة وحفاظ القانون على كيانها، والنشء ورعاية الدولة له، وخدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية، والتعليم والعلوم والآداب والفنون والرعاية الصحية، كما تتحدث عن حرمة الأموال العامة وواجب المواطن في حمايتها، والاقتصاد الوطني الذي أساسه العدالة الاجتماعية وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين.
والباب الثالث من الدستور تبين المواد الواردة فيه، وهي 23 مادة، الحقوق والواجبات العامة. وقد لفت نظري ما ورد في المادة 27 من أنه لايجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون، والمادة 28 التي تنص على أنه لا يجوز إبعاد كويتي عن الكويت أو منعه من العودة إليها. وهاتان المادتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا، وفحواهما مثار جدل وحوار في قرارات اتخذت مؤخرا، وكانت عليها ردود فعل لا تزال محتدمة. والمؤمل أن تسود الحكمة في نهاية هذا الجدل ولا يخدش الدستور.
الباب الرابع هو أطول باب في الدستور، إذ يحتوي على 125 مادة، وينقسم إلى خمسة فصول في بعضها أكثر من فرع. ويتناول هذا الباب السلطات بدءا بأحكام عامة تبين أن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور، ثم يستعرض في الفصل الثاني منه ما يتعلق برئيس الدولة وهو الأمير الذي تعتبر ذاته مصونة لا تمس، وهو يتولى سلطاته بواسطة وزرائه الذين يعينهم ويعفيهم من مناصبهم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء الذي يعينه الأمير كذلك، بعد المشاورات التقليدية، ويعفيه من منصبه. والفصل الثالث يبين دور السلطة التشريعية وتشكيل مجلس الأمة ومهامه وصلاحياته وعلاقته بالسلطة التنفيذية. والفصل الرابع يتحدث عن الوزارة والشؤون المالية والشؤون العسكرية. والفصل الخامس يتناول السلطة القضائية، حيث يبين أن شرف القضاء، ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الملك وضمان للحقوق والحريات. كما تشير المادة 173 في هذا الفصل من الباب الرابع من الدستور، إلى أن القانون يعين الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح. (والمقصود هنا المحكمة الدستورية التي إذا قررت عدم دستورية قانون أو لائحة يعتبر كأن لم يكن).
وفي هذه المادة فقرة مهمة جدا تقول: «ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة (أي المحكمة الدستورية) في دستورية القوانين واللوائح». ويبدو أن ذوي الشأن هنا كان المقصود به أن يعني كذلك أي مواطن حريص، إلا أن هذا الحق المطلق للمواطنين قد تم الالتفاف عليه، وأصبحت هذه واحدة من القضايا التي يدور حولها الجدل، ويستند إليها عدد من الذين ينتقدون المحاولات الرامية إلى تفريغ الدستور من محتواه.
الباب الخامس والأخير من الدستور، يقع في عشر مواد منتهية بالمادة 183 وهي آخر مادة في الدستور. ويتضمن هذا الباب أحكاما عامة وأحكاما انتقالية. ولعل أهم ما في هذا الباب المادة 174 والمادة 175، حيث تبين الأولى من له حق اقتراح تنقيح الدستور والإجراءات الدستورية المرتبطة بذلك، في حين تؤكد المادة 175 أن الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت، وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة.
كانت تلك- إلى حد ما- قراءة سريعة للدستور الذي ارتضيناه جميعا والذي صدر في الحادي عشر من شهر نوفمبر 1962، دعاني إليها احتفالنا بذكرى مرور ستة وأربعين عاما عليه. وكلما قرأت هذا الدستور العظيم، أكتشف في نصوصه إيجابيات كثيرة تدعوني إلى قراءته من جديد، ويتولد في ذهني فهم أفضل له. دستور الكويت هو من أرقى وأهم إنجازاتنا، ومن المؤسف حقا أن تكون هناك محاولات من قبل البعض لانتهاك روح الدستور وتعطيل فاعلية بعض مواده. ولكني لا أريد أن أدخل في هذا الشأن الشائك الآن، لكي لا أنغص على نفسي وعلى القارئ الكريم ابتهاجنا بهذه المناسبة الوطنية العظيمة.
ولنعمل جميعا للحفاظ على دستور هذا البلد الأمين.
كاتب كويتي
المصدر : جريدة أوان
الرابط : http://www.awan.com/node/136161
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق