
أحمد البغدادي
أوتاد المستحيل
إن إعلان الفرد لعلمانيته لا يعود إلى الخوف من الحكومة أو الجماعات الدينية بل لان الواقع لا يتيح ذلكقرأت مقالة في احد برامج الإثارة الانتخابية التي لا فائدة منها, أن الضيف الدكتور قد أجاب عن سؤال مقدم البرنامج: هل أنت علماني? فأجاب الدكتور: نعم! وعلى ذمة الكاتب, أن الدكتور " توهق " ولم يوفق في الإجابة على بعض الأسئلة الأخرى التي جاءت تعليقا على الإجابة. وفي اعتقادي أن الدكتور قد جانبه الصواب بالاعتراف أنه علماني, لسبب بسيط, وهو أن من المستحيل على المسلم في البلاد العربية والمسلمة أن يكون علماني, وذلك للأسباب التالية:-1 عدم القدرة على الإعلان تخليه عن هويته الدينية , الإسلام والتي يتم إعلانها في أذنيه منذ لحظة التكبير بالإذن عند ولادته, خشية الاتهام بالردة وما يتبعها من نتائج مثل التفريق بينه وبين زوجه, وعدم الصلاة عليه بعد الموت, وبالتالي عدم الدفن في مقابر المسلمين. -2 ما من مسلم إلا ويعترف بأركان الإسلام ( بمعنى أنه لا ينكرها).-3 يذهب إلى العمرة أو الحج.- 4يصوم في رمضان أو أنه لا يعلن رفضه للصوم في شهر رمضان.-5 يتزوج على كتاب الله وسنته النبوية ( بمعنى أنه لا يتزوج زواجا مدنيا لأن أهل زوجته سيرفضون ذلك قبل القانون ).6 - يقوم يزوج أبناءه وبناته على كتاب الله وسنة رسوله.-7 قد لا يصلي, لكنه لا ينكر الصلاة.بناء على ما سبق لا يمكن للمسلم الذي يقرر العيش في بلاد المسلمين أن يكون علماني حتى لو أراد ذلك. ولا يمكن أن يحافظ على سرية علمنته في المجتمع.لكن من الممكن أن يكون المسلم علمانيا على مستوى صناعة القرار, بمعنى أنه يؤيد فصل الدين عن السياسة أو الدولة, ويرغب في أن تكون قرارات الدولة بعيدة من أحكام الدين الخاضعة للتأويل وفقا للزمان والمكان. ويتمسك بالدستور كأساس للدولة الدستورية أو القانونية.من جهة أخرى, لا فائدة ترجى من إعلان الفرد لعلمانيته لما تجره من مشكلات, أقلها العزل الاجتماعي. والدليل على ما سبق أن الذين تحولوا من الإسلام إلى ديانة أخرى ندرة الندرة, حتى لو كانوا يعيشون في الغرب. فالإسلام هوية ذاتيه مترسخة في وجدان المسلم يحملها معه أينما رحل. وهذا هو أيضا حال الاشتراكية العربية على سبيل المثال التي رفضت من النظرية الماركسية الصراع الطبقي ونفي الدين وحكم الطبقة العاملة (البروليتاريا). بل أنه من المعروف أن أعضاء الحزب الشيوعي السوداني مثلا, كانوا يقطعون حديثهم عن الاشتراكية إذا نودي للصلاة اليومية.العلمانية والاشتراكية وحتى حقوق الإنسان تتغير معانيها ومضامينها إذا تبناها المسلم, سواء كان حاكما أم محكوما. وهذا الأمر طبيعي بالنسبة للمسلم, لأنه لا يتخلى عن دينه. ولو لم يولد مسلما لكان للحديث منحى آخر.من الممكن للسلم أن يعلن عن ليبراليته من دون أي خوف في المجتمع العربي المسلم, لأن الليبرالية لمن لا يفهم معناها وبعيدا من تخرصات المنتمين للجماعات الدينية والفقهاء, تتعلق بحرية الفرد في الاختيار والاقتصاد الحر والحقوق الطبيعية التي تحولت على يد الليبراليين إلى حقوق قانونية, ودعوته الى دولة القانون أو الدولة الدستورية. لذلك يمكن القول أن تبني الفكر الليبرالي الداعي إلى حفظ حقوق الإنسان بما فيها الحق الديني تعبدا وممارسة للشعائر, هو الأقرب لطبيعة وشخصية المثقف المسلم. فأنا ومع إسلامي أؤمن بحق كل جماعة دينية في ان تتعبد في معبدها ما دامت لا تؤذي الآخرين. ولذلك أؤيد حق جماعة البهرة أو البهائيين في ممارسة شعائر دينهم. كما لا أعبأ بفتوى ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم بعدم جواز بناء الكنائس للنصارى أو اليهود. لأن الفرد الليبرالي يؤمن بحقوق الإنسان. أؤمن بالمساواة بين البشر بغض النظر عن الجنس والعرق والدين واللون. لأن المساواة من مبادئ الليبرالية. وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن الإشارة إليها في هذا المقام. وهذا لا يمنع أدائي العمرة أو ذهابي إلى الحج . بل أنني أفضل من أولئك الذين يضعون أنفسهم فوق البشر بالتمييز الديني أو الجنسي.لذلك فإن الإعلان الصريح عن عدم إعلان الفرد لعلمانيته لا يعود للخوف من الحكومة أو الجماعات الدينية, بل لأن واقع حياته الشخصية لا يتيح له المجال لكي يكون علمانيا حتى لو أراد ذلك. وهذا لا يمنع وجود أفراد علمانيين في المجتمع, لكنهم إذا ما اضطروا الى املاء خانة الديانة في أي استمارة, لكتبوا من دون إحراج.....مسلم. فكيف يكون علمانيا? awtaad@yahoo.com * كاتب كويتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق